اضطراب تشتت الانتباه مع فرط الحركة وأثره على الطفل: رصد وتوجيهات تعليمية
في الندوة التي نظمتها تنسيقية مدارس اللغة العربية ببلجيكا بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، تناول الأستاذ محمد مكاوي موضوع اضطراب تشتت الانتباه مع فرط الحركة (ADHD) وتأثيره على الطفل. وأوضح أن المعلم ينبغي أن يتناول هذا الموضوع من خلال “الرصد” لا “التشخيص”، حيث يتعين عليه مراقبة سلوك الطفل في المدرسة بدلاً من تقديم تشخيص طبي، بهدف فهم تأثير الاضطراب على جوانب نمو الطفل المختلفة.
أسباب الاضطراب وتأثيراته على النمو العصبي
يرتبط اضطراب تشتت الانتباه مع فرط الحركة بالنمو العصبي للطفل، مما يعني أن أسبابه هي تغيرات في نشاط الدماغ الذي يؤثر على سلوك الطفل وتفاعله مع محيطه. وفي التصنيف الأخير لـ DSM-5، تم تصنيف هذا الاضطراب ضمن مجموعة من الاضطرابات النفسية والعصبية التي تشمل أيضًا الاضطرابات الذهنية، اضطرابات التواصل، اضطراب طيف التوحد، والاضطرابات التعلمية النوعية، مثل عسر القراءة، عسر الكتابة، وعسر الحساب.
التحديات التي يواجهها الأطفال في البيئة المدرسية
الأطفال الذين يعانون من اضطراب تشتت الانتباه مع فرط الحركة، سواء كانوا يعانون من فرط الحركة أو لا، يواجهون تحديات كبيرة في البيئة المدرسية، حيث يعانون من صعوبة في التركيز، وتنظيم الأفكار، واتباع التعليمات. وبالتالي، من حق هؤلاء الأطفال أن يتلقوا تعليمًا مناسبًا وملائمًا لاحتياجاتهم، وهو ما يستدعي من المدرسة تطوير آليات وطرق تعليمية خاصة، تتناسب مع قدراتهم وتساعدهم على التفاعل الإيجابي مع المواد التعليمية.
الأثر العصبي والمعرفي والسلوكي للاضطراب
يؤثر البعد العصبي لهذا الاضطراب على البعد المعرفي للطفل، حيث يواجه الطفل صعوبات في استيعاب المعلومات والتفاعل مع البيئة المدرسية. هذه الصعوبات لا تقتصر على الجانب المعرفي فقط، بل تمتد لتؤثر على الجانب السلوكي أيضًا، مما يؤدي إلى اضطراب في سلوك الطفل وضعف في تقدير الذات. يعاني الطفل من قلق دائم بسبب عدم قدرته على الوفاء بتوقعات المحيطين به، سواء في المنزل أو في المدرسة، مما يؤدي إلى شعور بالفشل وعدم الكفاءة.
الأثر الاجتماعي للأسرة وضغوطات العلاقة الأسرية
الأثر الاجتماعي للأسرة يتأثر أيضًا بهذا الاضطراب، حيث لا يستطيع الطفل تلبية رغبات الأسرة أو تلبية توقعاتها، مما يسبب توترًا في العلاقة الأسرية. هذه الضغوط تؤثر على الصحة النفسية للطفل وتزيد من حدة الاضطراب السلوكي، مما يتطلب تدخلًا متعدد الأبعاد.
التدخلات الطبية والتربوية لمعالجة الاضطراب
من الأهمية بمكان أن يتم التعامل مع الاضطرابات العصبية من خلال تدخلات طبية، حيث يجب أن تكون أولى خطوات العلاج طبية، تتبعها استراتيجيات تعليمية تراعي الخصوصية المعرفية والسلوكية لكل طفل. يجب على المدارس أن تدرك أن هذا الاضطراب ليس نتيجة لقصور تربوي، بل هو خلل عصبي يصاحبه صعوبات متعددة تؤثر على قدرة الطفل على التفاعل بشكل طبيعي مع متطلبات الحياة المدرسية والاجتماعية.
التدخلات العلاجية المتنوعة
التدخلات العلاجية في معالجة اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) تتنوع بين العلاجات الدوائية والتربوية، ويعد التوجيه التربوي جزءًا أساسيًا من استراتيجية العلاج، خاصة في المدرسة. العلاج الدوائي يتم تحت إشراف الطبيب المختص، حيث يتم تحديد الأدوية المناسبة وفقًا لحالة الطفل، لكن من المهم أن يتم دمج هذه العلاجات مع التدابير التربوية لتدعيم الطفل في حياته اليومية.
التواصل بين المدرسة والأسرة وأساليب التيسير
فيما يتعلق بالجانب التربوي، يُعد التواصل المستمر بين المدرسة والأسرة أمرًا بالغ الأهمية لضمان التنسيق والمتابعة الفعالة للتطورات الحاصلة لدى الطفل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام أساليب تيسير في عملية التعليم والتعلم والتقويم، مثل تعديل البيئة الصفية وتبسيط المهام الدراسية وفقًا لقدرات الطفل. يساهم ذلك في تقليل التوتر وضمان توفير بيئة تعليمية ملائمة تساعد الطفل على تحقيق أفضل النتائج الأكاديمية.
برامج الدعم الأسري والتأهيل السلوكي
من التدخلات المهمة أيضًا البرامج التي تدعم الوالدين وتوفر لهم التوجيه حول كيفية التعامل مع طفلهم في المنزل ومساعدته في تطوير مهاراته الاجتماعية والتنظيمية. أما بالنسبة للأطفال الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب إلى جانب اضطراب فرط الحركة، فإن العلاج السلوكي المعرفي يُعد من الوسائل الفعّالة لتقليل أعراض الاندفاعية وتعزيز استراتيجيات التكيف السلوكي.
التأهيل النفسي والتعليمي المستمر
لا بد من التنويه إلى أن التأهيل النفسي والتعليمي المستمر للطفل يلعب دورًا مهمًا في تعامله مع تحديات هذا الاضطراب طوال مراحل حياته، من التعليم المبكر إلى ما بعد مرحلة الدراسة. وبالتالي، فإن البيئة المحيطة بالطفل، سواء كانت في المنزل أو المدرسة، يجب أن تكون متفهمة ومرنة بما يكفي لتساعد الطفل في التكيف مع هذه الظروف.